تفسير ابن كثير تفسير الصفحة 550 من المصحف



تفسير ابن كثير - صفحة القرآن رقم 550

550 : تفسير الصفحة رقم 550 من القرآن الكريم

** عَسَى اللّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الّذِينَ عَادَيْتُم مّنْهُم مّوَدّةً وَاللّهُ قَدِيرٌ وَاللّهُ غَفُورٌ رّحِيمٌ * لاّ يَنْهَاكُمُ اللّهُ عَنِ الّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرّوهُمْ وَتُقْسِطُوَاْ إِلَيْهِمْ إِنّ اللّهَ يُحِبّ الْمُقْسِطِينَ * إِنّمَا يَنْهَاكُمُ اللّهُ عَنِ الّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدّينِ وَأَخْرَجُوكُم مّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُواْ عَلَىَ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلّهُمْ فَأُوْلَـَئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ
يقول تعالى لعباده المؤمنين بعد أن أمرهم بعداوة الكافرين {عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة} أي محبة بعد البغضة ومودة بعد النفرة وألفة بعد الفرقة {والله قدير} أي على ما يشاء من الجمع بين الأشياء المتنافرة والمتباينة والمختلفة فيؤلف بين القلوب بعد العداوة والقساوة فتصبح مجتمعة متفقة, كما قال تعالى ممتناً على الأنصار {واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منه} الاَية. وكذا قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: «ألم أجدكم ضلالاً فهداكم الله بي وكنتم متفرقين فألفكم الله بي ؟» وقال الله تعالى: {هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم} وفي الحديث «أحبب حبيبك هوناً ما فعسى أن يكون بغيضك يوماً ما, وأبغض بغيضك هوناً ما فعسى أن يكون حبيبك يوماً ما» وقال الشاعر:
وقد يجمع الله الشتيتين بعدمايظنان كل الظن أن لا تلاقيا
وقوله تعالى: {والله غفور رحيم} أي يغفر للكافرين كفرهم إذا تابوا منه وأنابوا إلى ربهم وأسلموا له, وهو الغفور الرحيم بكل من تاب إليه من أي ذنب كان.
وقد قال مقاتل بن حيان: إن هذه الاَية نزلت في أبي سفيان صخر بن حرب, فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج ابنته, فكانت هذه مودة ما بينه وبينه, وفي هذا الذي قاله مقاتل نظر, فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج بأم حبيبة بنت أبي سفيان قبل الفتح, وأبو سفيان إنما أسلم ليلة الفتح بلا خلاف, وأحسن من هذا ما رواه ابن أبي حاتم حيث)قال: قرى على محمد بن عزيز, حدثني سلامة, حدثني عقيل, حدثني ابن شهاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل أبا سفيان صخر بن حرب على بعض اليمن, فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل فلقي ذا الخمار مرتداً فقاتله, فكان أول من قاتل في الردة وجاهد عن الدين, قال ابن شهاب: وهو ممن أنزل الله فيه {عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة} الاَية. وفي صحيح مسلم عن ابن عباس أن أبا سفيان قال: يا رسول الله ثلاث أعطنيهن قال: «نعم» قال: تأمرني أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين, قال: «نعم» قال: ومعاوية تجعله كاتباً بين يديك, قال: «نعم» قال: وعندي أحسن العرب وأجمله أم حبيبة بنت أبي سفيان أزوجكها ـ الحديث ـ وقد تقدم الكلام عليه.
وقوله تعالى: {لاينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم} أي يعاونوا على إخراجكم أي لا ينهاكم عن الإحسان إلى الكفرة الذين لا يقاتلونكم في الدين كالنساء والضعفة منهم {أن تبروهم} أي تحسنوا إليهم {وتقسطوا إليهم} أي تعدلوا {إن الله يحب المقسطين} قال الإمام أحمد: حدثنا أبو معاوية حدثنا هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: قدمت أمي وهي مشركة في عهد قريش إذ عاهدوا, فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله إن أمي قدمت وهي راغبة أفأصلها ؟ قال: «نعم صلي أمك» أخرجاه. وقال الإمام أحمد: حدثنا عارم, حدثنا عبد الله بن المبارك, حدثنا مصعب بن ثابت, حدثنا عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال: قدمت قتيلة على ابنتها أسماء بنت أبي بكر بهدايا صناب وأقط وسمن وهي مشركة, فأبت أسماء أن تقبل هديتها وأن تدخلها بيتها. فسألت عائشة النبي صلى الله عليه وسلم, فأنزل الله تعالى: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين} إلى آخر الاَية. فأمرها أن تقبل هديتها وأن تدخلها بيتها.
وهكذا رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من حديث مصعب بن ثابت به, وفي رواية لأحمد ولابن جرير قتيلة بنت عبد العزى بن عبد أسعد من بني مالك بن حسل, وزاد ابن أبي حاتم في المدة التي كانت بين قريش ورسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال ضأبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار: حدثنا عبد الله بن شبيب حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثناأبو قتادة العدوي عن ابن أخي الزهري عن الزهري عن عروة عن عائشة وأسماء أنهما قالتا: قدمت علينا أمنا المدينة وهي مشركة في الهدنة التي كانت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قريش فقلنا يا رسول الله إن أمنا قدمت علينا المدينة وهي راغبة أفنصلها ؟ قال: «نعم فصلاها ؟» ثم قال: وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن الزهري عن عروة عن عائشة إلا من هذا الوجه.
(قلت): وهو منكر بهذا السياق لأن أم عائشة هي أم رومان وكانت مسلمة مهاجرة وأم أسماء غيرها كما هو مصرح باسمها في هذه الأحاديث المتقدمة والله أعلم. وقوله تعالى: {إن الله يحب المقسطين} قد تقدم تفسير ذلك في سورة الحجرات وأورد الحديث الصحيح «المقسطون على منابر من نور عن يمين العرش, الذين يعدلون في حكمهم وأهاليهم وما ولوا».
وقوله تعالى: {إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم} أي إنما ينهاكم عن موالاة هؤلاء الذين ناصبوكم بالعداوة فقاتلوكم وأخرجوكم وعاونوا على إخراجكم ينهاكم الله عز وجل عن موالاتهم ويأمركم بمعاداتهم, ثم أكد الوعيد على موالاتهم فقال: {ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون} كقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين}.

** يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ إِذَا جَآءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنّ اللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنّ مُؤْمِنَاتٍ فَلاَ تَرْجِعُوهُنّ إِلَى الْكُفّارِ لاَ هُنّ حِلّ لّهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلّونَ لَهُنّ وَآتُوهُم مّآ أَنفَقُواْ وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنّ إِذَآ آتَيْتُمُوهُنّ أُجُورَهُنّ وَلاَ تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُواْ مَآ أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُواْ مَآ أَنفَقُواْ ذَلِكُمْ حُكْمُ اللّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * وَإِن فَاتَكُمْ شَيْءٌ مّنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُواْ الّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مّثْلَ مَآ أَنفَقُواْ وَاتّقُواْ اللّهَ الّذِيَ أَنتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ
تقدم في سورة الفتح في ذكر صلح الحديبية الذي وقع بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين كفار قريش فكان فيه: على أن لا يأتيك منا رجل وإن كان على دينك إلا رددته إلينا, وفي رواية: على أنه لا يأتيك منا أحد وإن كان على دينك إلا رددته إلينا, وهذا قول عروة والضحاك وعبد الرحمن بن زيد والزهري ومقاتل بن حيان والسدي, فعلى هذه الرواية تكون هذه الاَية مخصصة للسنة, وهذا من أحسن أمثلة ذلك وعلى طريقة بعض السلف ناسخة, فإن الله عز وجل أمر عباده المؤمنين إذا جاءهم النساء مهاجرات أن يمتحنوهن, فإن علموهن مؤمنات فلا يرجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن, وقد ذكرنا في ترجمة عبد الله بن أبي أحمد بن جحش من المسند الكبير من طريق أبي بكر بن أبي عاصم عن محمد بن يحيى الذهلي عن يعقوب بن محمد عن عبد العزيز بن عمران عن مجمع بن يعقوب عن حنين بن أبي لبانة عن عبد الله بن أبي أحمد قال: هاجرت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط في الهجرة فخرج أخواها عمارة والوليد حتى قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم, فكلماه فيها أن يردها إليهما فنقض الله العهد بينه وبين المشركين في النساء خاصة, فمنعهم أن يردوهن إلى المشركين وأنزل الله آيات الامتحان.
قال ابن جرير: حدثنا أبو كريب, حدثنا يونس بن بكير عن قيس بن الربيع عن الأغر بن الصباح عن خليفة بن حصين عن أبي نصر الأسدي قال سئل ابن عباس كيف كان امتحان رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء, قال: كان يمتحنهن بالله ما خرجت من بغض زوج وبالله ما خرجت رغبة عن أرض إلى أرض, وبالله ما خرجت التماس دنيا, وبالله ما خرجت إلا حباً لله ولرسوله, ثم رواه من وجه آخر عن الأغر بن الصباح به, وكذا رواه البزار من طريقه وذكر فيه أن الذي كان يحلفهن عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم له عمر بن الخطاب, وقال العوفي عن ابن عباس في قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن} وكان امتحانهن أن يشهدن أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبد الله ورسوله, وقال مجاهد: {فامتحنوهن} فاسألوهن عما جاء بهن, فإذا كان جاء بهن غضب على أزواجهن أو سخطة أو غيره ولم يؤمن فارجعوهن إلى أزواجهن, وقال عكرمة: يقال لها ما جاء بك إلا حب الله ورسوله, وما جاء بك عشق رجل منا ولا فرار من زوجك فذلك قوله: {فامتحنوهن} وقال قتادة: كانت محنتهن أن يستحلفن بالله ما أخرجكن النشوز وما أخرجكن إلا حب الإسلام وأهله وحرص عليه, فإذا قلن ذلك قبل ذلك منهن.
وقوله تعالى: {فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار} فيه دلالة على أن الإيمان يمكن الاطلاع عليه يقيناً. وقوله تعالى: {لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن} هذه الاَية هي التي حرمت المسلمات على المشركين وقد كان جائزاً في ابتداء الإسلام أن يتزوج المشرك المؤمنة, ولهذا كان أبو العاص بن الربيع زوج ابنة النبي صلى الله عليه وسلم زينب رضي الله عنها, قد كانت مسلمة وهو على دين قومه, فلما وقع في الأسارى يوم بدر بعثت امرأته زينب في فدائه بقلادة لها كانت لأمها خديجة فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم رق لها رقة شديدة وقال للمسلمين: «إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها فافعلوا» ففعلوا فأطلقه رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يبعث ابنته إليه, فوفى له بذلك وصدقه فيما وعده وبعثها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع زيد بن حارثة رضي الله عنه, فأقامت بالمدينة من بعد وقعة بدر. وكانت سنة اثنتين إلى أن أسلم زوجها أبو العاص بن الربيع سنة ثمان فردها عليه بالنكاح الأول ولم يحدث لها صداقاً.
كما قال الإمام أحمد: حدثنا يعقوب, حدثنا أبي, حدثنا ابن إسحاق حدثنا داود بن الحصين عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد ابنته زينب على أبي العاص, وكانت هجرتها قبل إسلامه بست سنين على النكاح الأول ولم يحدث شهادة ولا صداقاً, ورواه أبو داود والترمذي وابن ماجه ومنهم من يقول بعد سنتين, وهو صحيح, لأن إسلامه كان بعد تحريم المسلمات على المشركين بسنتين وقال الترمذي: ليس بإسناده بأس ولا نعرف وجه هذا الحديث ولعله جاء من حفظ داود بن الحصين, وسمعت عبد بن حميد يقول: سمعت يزيد بن هارون يذكر عن ابن إسحاق هذا الحديث وحديث ابن الحجاج يعني ابن أرطاة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد ابنته على أبي العاص بن الربيع بمهر جديد ونكاح جديد, فقال يزيد: حديث ابن عباس أجود إسناداً والعمل على حديث عمرو بن شعيب, ثم قلت وقد روى حديث الحجاج بن أرطاة عن عمرو بن شعيب الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه وضعفه الإمام أحمد وغير واحد, والله أعلم.
وأجاب الجمهور عن حديث ابن عباس بأن ذلك كان قضية عين, يحتمل أنه لم تنقض عدتها منه لأن الذي عليه الأكثرون أنها متى انقضت العدة ولم يسلم انفسخ نكاحها منه. وقال آخرون بل إذا انقضت العدة هي بالخيار, إن شاءت أقامت على النكاح واستمرت, وإن شاءت فسخته وذهبت فتزوجت وحملوا عليه حديث ابن عباس, والله أعلم. وقوله تعالى: {وآتوهم ما أنفقو} يعني أزواج المهاجرات من المشركين ادفعوا إليهم الذي غرموه عليهن من الأصدقة, قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة والزهري وغير واحد, وقوله تعالى: {ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن} يعني إذا أعطيتموهن أصدقتهن فانكحوهن أي تزوجوهن بشرطه من انقضاء العدة والولي وغير ذلك. وقوله تعالى: {ولا تمسكوا بعصم الكوافر} تحريم من الله عز وجل على عباده المؤمنين نكاح المشركات والاستمرار معهن.
وفي الصحيح عن الزهري عن عروة عن المسور ومروان بن الحكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما عاهد كفار قريش يوم الحديبية, جاءه نساء من المؤمنات فأنزل الله عز وجل {يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات ـ إلى قوله ـ ولا تمسكوا بعصم الكوافر} فطلق عمر بن الخطاب يومئذ امرأتين تزوج إحداهما معاوية بن أبي سفيان والأخرى صفوان بن أمية. وقال ابن ثور عن معمر عن الزهري: أنزلت هذه الاَية على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بأسفل الحديبية حين صالحهم, على أنه من أتاه منهم رده إِليهم, فلما جاء النساء نزلت هذه الاَية وأمره أن يرد الصداق إلى أزواجهن, وحكم على المشركين مثل ذلك إذا جاءتهم امرأة من المسلمين أن يردوا الصداق إلى أزواجهن وقال {ولا تمسكوا بعصم الكوافر}.
وهكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وقال: وإنما حكم الله بينهم بذلك لأجل ما كان بينهم وبينهم من العهد. وقال محمد بن إسحاق عن الزهري: طلق عمر يومئذ قريبة بنت أبي أمية بن المغيرة. فتزوجها معاوية وأم كلثوم بنت عمرو بن جرول الخزاعية, وهي أم عبيد الله فتزوجها أبو جهم بن حذيفة بن غانم رجل من قومه وهما على شركهما, وطلق طلحة بن عبيد الله أروى بنت ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب فتزوجها بعده خالد بن سعد بن العاص. وقوله تعالى: {واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقو} أي وطالبوا بما أنفقتم على أزواجكم اللاتي يذهبن إلى الكفار إن ذهبن وليطالبوا بما أنفقوا على أزواجهم اللاتي هاجرن إلى المسلمين.
وقوله تعالى: {ذلكم حكم الله يحكم بينكم} أي في الصلح واستثناء النساء منه والأمر بهذا كله هو حكم الله يحكم به بين خلقه {والله عليم حكيم} أي عليم بما يصلح عباده حكيم في ذلك, ثم قال تعالى: {وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقو} قال مجاهد وقتادة: هذا في الكفار الذين ليس لهم عهد إذا فرت إليهم امرأة ولم يدفعوا إلى زوجها شيئاً, فإذا جاءت منهم امرأة لا يدفع إلى زوجها شيء حتى يدفع إلى زوج الذاهبة إليهم مثل نفقته عليها, وقال ابن جرير: حدثنا يونس, حدثنا ابن وهب أخبرني يونس عن الزهري قال: أقر المؤمنون بحكم الله فأدوا ما أمروا به من نفقات المشركين التي أنفقوا على نسائهم, وأبى المشركون أن يقروا بحكم الله فيما فرض عليهم من أداء نفقات المسلمين, فقال الله تعالى للمؤمنين به {وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم, فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا, واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون}.
فلو أنها ذهبت بعد هذه الاَية امرأة من أزواج المؤمنين إلى المشركين, رد المؤمنون إلى زوجها النفقة التي أنفق عليهامن العقب الذي بأيديهم الذي أمروا أن يردوه على المشركين من نفقاتهم, التي أنفقوا على أزواجهم اللاتي آمن وهاجرن, ثم ردوا إلى المشركين فضلاً إن كان بقي لهم, والعقب ما كان بقي من صداق نساء الكفار حين آمن وهاجرن, وقال العوفي عن ابن عباس في هذه الاَية, يعني إن لحقت امرأة رجل من المهاجرين بالكفار أمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يعطى مثل ما أنفق من الغنيمة, وهكذا قال مجاهد {فعاقبتم} أصبتم غنيمة من قريش أو غيرهم {فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقو} يعني مهر مثلها. وهكذا قال مسروق وإبراهيم وقتادة ومقاتل والضحاك وسفيان بن حسين والزهري أيضاً. وهذا لا ينافي الأول لأنه إن أمكن الأول فهو الأولى وإلا فمن الغنائم اللاتي تؤخذ من أيدي الكفار, وهذا أوسع وهو اختيار ابن جرير, ولله الحمد والمنة.